الأربعاء، مارس 26، 2008



ملاحظات .. على الهامش(!) :


أصدقائي ..
مساؤكم .. كتب ودفاتر وأقلام وسيكوميم ومحباروت بحينا .. وشفيتا (!)
وسلام "خفيف لطيف" لوسيم ونضال ..

بداية ، لا تشغلوا أنفسكم بالبحث عن هويتي ..
سأوفر عليكم التعب والغلبة .. وأخبركم من أنا ..
..
ولكن ، ليس اليوم .




هذه المرة سأبدأ من الآخر :

موقف محرج !!


- "... وعلى يساركم جدار الفصل العنصري !"
...
إذا هذا هو الجدار !
نظرت إليه ..
رمادي كبير يرتفع تسعة أمتار ليغلق السماء على الجانب الآخر ..
لأول مرة أراه شخصيا ..
صح، أنا أسمع به وأرى صوره في التلفزيون ، ولكني لم أتصور أنه موجود
عن جد خارج التلفزيون
[1] !!

إذا هذا هو الجدار ..
تشرفنا .. يا حضرة الجدار !

صفنت فيه .. ولم اعرف ماذا أقول ، برغم أني كنت مقتنعا جدا أني يجب أن أقول له شيئا !!
عيب ..
هذه أول مرة ألتقي به وجها لوجه ، ومن اللائق أن أعرفه بنفسي ، أسلم عليه .. أي شيء ! .. سوى أن أصفن فيه هكذا ..




هل أقول له صباح الخير ؟! مرحبا ؟! أو السلام عليكم ؟!
هل يتحدث العربية أصلا ؟!!
ربما يتكلم بالعبرية ..
فأنا لم أسأل نفسي ولا مرة عن هوية الجدار
[2] ؟؟ .. وطالما هو ليس جزءا من حياتي اليومية .. أي لا يمر من سخنين، ولا يقسم استاد الدوحة نصفين .. وطالما اللعبة قائمة ، وسنسحق بيطار الأسبوع الجاي ..
فأنا لست مضطرا لأن أحدد موقفي منه.


* * *


أصدقائي ..
تعالوا نرجع للبداية ..


ولادة "الحيط رقم 1 في البلاد"



طرق عنيف على الباب !!
أنت تجلس في بيتك .. بثياب البيت .. الدنيا في الخارج مطر وبرد ..

( مين قليل الذوق الذي يطرق الباب في مثل هذا الوقت .. وفي منتصف حلقة زافين ؟!!! )

يستمر الطرق .. !!
( طيب .. طيب .. راح أفتح ..)

تترك فنجان القهوة في منتصفه ، وتنهض إلى الباب .
تنظر من العين السحرية : شخص غريب ! ليس من الجيران ، ولا من اصدقائك .. وعلى الاغلب ليس من الحارة !! (ولأ .. مش أبو النار !)

تفتح الباب لنسأل الطارق الغريب ماذا يريد ..
ولكن ، ما إن تفتح الباب – وبدون أن يكون معك وقت لتسأل : " عفوا .. مين الأخ ؟!! " – يكون "الأخ" قد صار في وسط البيت (!)
( يا أخي إمسح رجليك قبل ما تفوت !! .. )



يدخل إلى البيت بكل ثقة .. يضع أغراضه وحقائبه وسط غرفة الجلوس .. يخلع معطفه ، وينفض الوحل عن حذائه فوق السجادة ..

( شو يا .. هييّ الدنيا داشرة !!!! )

يزيحك من طريقه ويدخل إلى المطبخ .. يصنع لنفسه فنجان شاي مع ميرمية ..
يجلس على كرسيك المفضل قريبا من المدفأة .. ويشغل التلفزيون على محطة الأفلام الإباحية .

ثم .. يتصل بأهله وأقاربه وأصدقائه .. ويدعوهم للسكن معه في بيته الجديد .

شوي.. ويبدأ الأصدقاء يحضرون .. وكل واحد يحضر معه حقيبته وأغراضه .. ويدعو أصدقاءه وأهله . ثم يدخل إلى المطبخ ليصنع لنفسه فنجان شاي . ( خلص الشاي .. وأنا أتفرج )

وأثناء هذا .. يبدأ ضيفك يجري عملية ترميم وشيبوتسيم للمنزل .. فيدهن الجدران بالأزرق ، يبدل الصور واللوحات على الحائط .. وينقل سجادة الصلاة إلى باب الحمام ليجفف قدميه عندما يخرج ولا يتزحلق (!)

ثم .. وبعد أن يستقر ويشعر نهائيا بأن البيت بيته ، يقرر أنه قد حان الوقت لأيجاد حل للمشكلة بشكل سلمي وبطريقة حضارية .. وأنه لا داعي للعنف والشتائم ، ويمكنكم أن تتفاوضوا .. وتتفقوا على تقسيم البيت فهو كبير ويتسع لكما الاثنين (ولعائلته الموسعة )..
وهو من جهته مستعد عن طيب خاطر لأن يعطيك الغرفة التي تحت الدرج لتسكن فيها .. بشرط أن تكون هادئا ولا تسبب له إزعاجا .
وبشرط أن يبقى مفتاح الغرفة معه هو ليدخل إليها وقت يشاء ويتأكد أن كل الحيطان لا تزال في مكانها .
وهو مستعد أيضا أن يفتح عليك الباب مرتين في اليوم لتذهب إلى الحمام أو إلى المطبخ ، ويمكنك أيضا أن تستقبل ضيوفا مرة في الأسبوع ..
ماذا تريد أحسن من ذلك ؟!!!
نعمة كريم .

وعندما ترفض أنت الحل السلمي الذي يعرضه عليك بكل كرم .. يأتي من خلف البحر عمه القوي سام ، ويعين نفسه قاضيا .. ويضعك – حفظا للأمن – في قفص الاتهام (!)

ويوما ما تستيقظ .. فإذا به قد أحضر أولادك وأولاد الجيران ، وشرع في بناء حائط كبير عال وسط البيت كي يفصل بينك وبينه لأن الوضع لم يعد محتملا .. فأنت وأولادك تزعجونه وتقلقون راحته وتفسدون عليه الحياة في بيته !!

إنتهى

* * *





قف ! .. أمامك حيط .

هكذا صار الجدار .

ومنذ أن ارتفع الجدار ( الجدار الفاصل – الجدار العازل – جدار الأمن – جدار الفصل العنصري .. مش مهم.. فحتى الآن لا يوجد اتفاق حول الاسم الفني للجدار ) ..
منذ أن ارتفع الجدار .. صار هو السلبريتي ( celebrity) الوحيد ، بدون منازع ، في الدولة الزرقاء ..
أخذوا له صورا .. وتصوروا معه ( واتضح أنه فوتوجينيك إلى حد كبير !)
وكتبوا عنه .. وكذبوا عنه ..
ومن الجانب الآخر ، حاولوا أن يرشوا على الموت سكر .. فرسموا عليه لوحات فنية وجداريات ملونة .

وعندما يكون الكيان الأهم في البلاد هو .. حيط ، فإنه من الطبيعي أن تحصل بقية الحيطان على معاملة خاصة ( وبالعربي بروتكتسيا )

وبالفعل ، فمنذ أن ارتفع الجدار ارتفعت أيضا مكانة الحيطان والجدران عامة في الدولة الزرقاء .
وهنالك تفكير جدي اليوم بحجز أماكن خاصة لها في البرلمان والمؤسسات الحكومية ..

ومنذ أن صار الجدار ، بدأنا نكتشف أن للحيطان دور مركزي جدا في حياة كل منا . يبدأ من الروضة ( حين تقول المعلمة : معلمتــــــيييييييـي... اللي مش عاجبه .. يخبط راسه بالحيط
[3] !! ) ، وينتهي .. مش مهم وين (!)

وهنا ، والحمد لله ، في الدولة الزرقاء .. لا تنقصنا الحيطان كي نخبط رأسنا بها .. وإنما تنقصنا الرؤوس كي نخبطها بالحيطان (!) .. ولكن مش مهم ، هذا موضوع آخر .
كل واحد منا يولد ومعه ( على البيعة ) رزمة حيطان جاهزة خاصة به ، مرتبة حيط ورا حيط ، أو حيط بجانب حيط ، أو حيط يمسك يد حيط ..
وهناك أيضا حيطان مشتركة للجميع ومجانية ..
وحيطان أخرى يجب أن تدفع لها رسم تسجيل / اشتراك لكي تخبط رأسك بها ..

حيطان بنيت لنا ، وحيطان نحن بنيناها ..
حيطان هدمت لنا ، وحيطان نحن هدمناها (وحيطان هدمت علينا .. ولكن مش مهم )

حيطان نراها .. وحيطان لا نراها لكننا نصطدم بها كلما أردنا أن نتحرك ..
وحيطان ترانا ..

وحيطان صغيرة متحركة يسمونها محسوميم .. يقف عليها أبناء ال18 سنة والكلاشنكوف في يدهم يلعبون ب " جيب الهوية !!" ..

. وفوقها كلها يرتفع الجدار .
..

وهناك حيطان لها أسماء ..

هناك حيط "أنت عربي !" ، وحيط "أنا عربي !" ..
وهناك حيط "عيب ..! "
وحيط "أخاف !"
وحيط القرود الثلاتة " بعرفش، بقدرش، بديش!"

وهناك حيط " أنا بعرف كل شي !"
وحيط " انا أهم واحد بالدنيا "

وهناك حيط "المصاري أهم إشي ! " ..
وحيط "الديمقراطية بس بالتلفزيون " ..
وحيط "بلا هبل .. خليك واقعي"
وحيط " خليك ملحلح .. بلاش تعقيد "

وحيط البسيخومتري ..
وحيط دار جيراننا اللي سكّر علينا مجرى الهواء .. وبطلت أعرف مين بفوت وبطلع من بيتهم !

وفوقها كلها .. يرتفع الجدار .

ومنذ أن ارتفع الجدار .. اختلطت الأشياء ببعضها ، وصار عندنا ناس حيطان .. وحيطان ناس ..
ولم يعد ممكنا التمييز بينها .

حيطان بشرية .. وحيطان اسمنتية ..
حيطان تستيقظ في الصباح وتقرر أنها ستكون اليوم حيط !
وحيطان لها آذان ولسان وشخصية كاملة .
وحيطان صارت حيطان فقط لكي تحمي نفسها وتتعايش مع الوضع القائم .
حيطان تقف على الحياد بدون موقف .. وحيطان تمشي الحيط الحيط وبتقول يا ربي السترة .. وحيطان تظهر في الأخبار وتأخذ صورا مع أهم الشخصيات وتقيم مؤتمرات صحفية ..
حيطان تصدرت كتب التاريخ ، وحصلت على جوائز نوبل فقط لمجرد كونها حيطان صامدة لا تتزحزح .
وحيطان غير مهمة لا يسأل أحد بها ..
حيطان مهدمة .. وحيطان حديثة .
وحيطان كانت .. وحيطان ستكون .


وهكذا لم يعد لدينا حتى أحد ليخبط رأسه بالحيط .. وفي أحسن الأحوال يمكن أن تجد حيطين يخبطان ببعضهما بسبب الازدحام السكاني ..

* * *





أصدقائي ..

لماذا كل هذا الحديث عن الحيطان ؟!
لا شيء .
ولكن ..

يظهر أن ذاكرة الأسمنت أطول من ذاكرة البشر ..

وحدها الحيطان تسجل التاريخ اليوم ..
وحدها الحيطان تحكي القصة اليوم .
نحن نسينا .

إسألوا سور عكو عن عكا القديمة
إسألوا البيوت العتيقة في عين هود عن عين حوض القديمة ..
إسألوا المشربيات الخشب وشرفات البيوت في يافا عن أهلها الطيبين الذين كانوا ..

خلوا الحيطان تحكي ..
لأنو إحنا ساكتين .

..
ويا حضرة الجدار ،
"يا رايح صوب بلادي ..
دخلك وصللي السلام .."
[4]
لأنك وحدك تعرف العنوان ..
وتملك تأشيرة دخول .

حتى المرة القادمة ..
إسمعوا الأغنية ..
وأنا بانتظار ردودكم .

الثلاثاء ، 15.01.08
باقة الغربية والشرقية ، فلسطين المحتلة
( لأن القلوب لا يفرّق بينها جدار)
[1] هل سأكتشف يوما ما أن السنافر أيضا موجودون حقيقة ؟؟؟؟
[2] برغم أني الآن ، وبعد أن انتهيت من كتابة الموضوع ، مقتنع بأنه يعاني أزمة هوية مثلنا بالضبط .. وأنه أيضا مش عارف حاله وين (!)
[3] وهناك دائما ولد أهبل يأخذ كلامها حرفيا ويخبط رأسه بالحيط عن جد !
[4] أغنية من كلمات أحمد قعبور .

ليست هناك تعليقات: